فصل: تفسير الآيات (11- 13):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.تفسير الآيات (11- 13):

قوله تعالى: {ما أصاب مِنْ مُصِيبةٍ إِلّا بِإِذْنِ الله ومنْ يُؤْمِنْ بِالله يهْدِ قلْبهُ والله بِكُلِّ شيْءٍ علِيمٌ (11) وأطِيعُوا الله وأطِيعُوا الرّسُول فإِنْ تولّيْتُمْ فإِنّما على رسُولِنا الْبلاغُ الْمُبِينُ (12) الله لا إِله إِلّا هُو وعلى الله فلْيتوكّلِ الْمُؤْمِنُون (13)}

.مناسبة الآية لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كان من تعرفه من المرغبين والمرهبين لا يفعل ذلك إلا فيما ليس قادرا على حفظه وضبطه حتى لا يحتاج العامل في عمل ذلك إلى رقيب يحفظه ووكيل يلزمه ذلك العمل ويضبطه، وكان قول المنافقين المتقدم في الإنفاق والإخراج من المصائب، وكانت المصائب تطيب إذا كانت من الحبيب، قال جوابا لمن يتوهم عدم القدرة متمما ما مضى من خلال الأعمال بالإيمان بالقدر خيره وشره، مرغبا في التسليم مرهبا من الجزع قاصرا الفعل ليعم كل مفعول: {ما أصاب} أي أحدا يمكن المصائب أن تتوجه إليه، وذكر الفعل إشارة إلى القوة، وأعرق في النفي بقوله: {من مصيبة} أيّ مصيبة كانت دينية أو دنيوية من كفر أو غيره {إلا بإذن الله} أي بتقدير الملك الأعظم وتمكينه، فلا ينبغي لمؤمن أن يعوقه شيء من ذلك عن التقوى النافعة في يوم التغابن.
ولما تسبب عن ذلك ما تقديره: فمن يكفر بالله بتقديره عليه الكفر يغو قلبه ويزده ضلالا فيفعل ما يتوغل به في المصيبة حتى تصير مصائب عدة فتهلكه، عطف عليه قوله باعثا على أول ركني الإسلام وهو إصلاح القوة العلمية: {ومن يؤمن بالله} أي يوجد الإيمان في وقت من الأوقات ويجدده بشهادة إن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله بسبب الملك الأعظم وتقديره وإذنه {يهد قلبه} أي يزده هداية بما يجدده له من التوفيق في كل وقت حتى يرسخ إيمانه فتنزاح عنه كل مصيبة، فإنه يتذكر أنها من الله وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه فيسلم بقضائه فيصبر له ويفعل ويقول ما أمر الله به ورسوله فيخف عليه، ولا يعوقه عن شيء من المنجيات في يوم التغابن، بل يحصل له بسببها عدة أرباح وفوائد، فتكون حياته طيبة بالعافية الشاملة في الدينيات والكونيات لأن بالعافية في الكونيات تطيب الحياة في الدنيا، وبالعافية في الدينيات تطيب الحياة في الآخرة فتكون العيشة راضية، وذلك بأن يصير عمله صوابا في سرائه وضرائه فيترك كل فاحشة دينية بدنية وباطنة قلبية ويترك الهلع في المصائب الكونية كالخوف والجوع ونقص الأموال والأنفس والثمرات وذلك لأنه بصلاح القلب ينصلح البدن كله.
ولما كان التقدير تعليلا لذلك: فالله على كل شيء قدير فهو لا يدع شيئا يكون إلا بإذنه، عطف عليه قوله: {والله} أي الملك الذي لا نظير له {بكل شيء} مطلقا من غير مثنوية {عليم} فإذا تحقق من هدى قلبه ذلك زاح كل اعتقاد باطل من كفر أو بدعة أو صفة خبيثة.
ولما كان التقدير: فاصبروا عن هجوم المصائب، عطف عليه قوله تحذيرا من أن يشتغل بها فتوقع في الهلاك وتقطع عن أسباب النجاة دالا على تعلم أمور الدين من معاداتها مشيرا إلى أن العبادة لا تقبل إلا بالاتباع لا بالابتداع: {وأطيعوا الله} أي الملك الأعلى الذي له الأمر كله فافعلوا في كل مصيبة ونائبة تنوبكم وقضية تعروكم ما شرعه لكم، وأكد بإعادة العامل إشارة إلى أن الوقوف عند الحدود ولاسيما عند المصائب في غاية الصعوبة فقال: {وأطيعوا الرسول} أي الكامل في الرسلية- صلى الله عليه وسلم- فإنه المعصوم بما خلق فيه من الاعتدال وما زكى به من شق البطن وغسل القلب مرارا، وما أيد به من الوحي، فما كانت الأفعال بإشارة العقل مع الطاعة لله والمتابعة لرسوله صلى الله عليه وسلم في كل إقدام وإحجام كانت معتدلة، سواء كانت شهوانية أو غضبية، ومتى لم تكن كذلك كانت منحرفة إلى أعلى وإلى أسفل فكانت مذمومة، فإن الله تعالى بلطف تدبيره ركب في الإنسان قوة غضبية دافعة لما يهلكه ويؤذيه، وقوة شهوانية جالبة لما ينميه ويقويه، فاعتدال الغضبية شجاعة ونقصها جبن وزيادتها تهور، فالناس باعتبارها جبان وشجاع ومتهور، واعتدال الشهوانية عفة ونقصانها زهادة وزيادتها شره، والناس باعتبارها زهيد وعفيف وشره، وكلا طرفي قصد الأمور ذميم، وميزان العدل متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم فيما شرعه، فبذلك تنزاح الفتن الظاهرة والباطنة، ولا طريق إلى الله إلا بما شرعه، وكل طريق لم يشرعه ضلال من الكفر إلى ما دونه، ثم سبب عن أمره ذلك قوله معبرا بإداة الشك إشارة إلى البشارة بحفظ هذه الأمة من الردة ومشعرا بأن بعضهم يقع منه ذلك ثم يقرب رجوعه أو هلاكه: {فإن توليتم} أي كلفتم أنفسكم عندما تدعو إليه الفطرة الأولى من الإعراض عن هذا النور الأعظم والميل إلى طرف من الأطراف المفهومة من طرفي القصد فما على رسولنا شيء من توليكم {فإنما على رسولنا} أضافه إليه على وجه العظمة تعظيما له وتهديدا لمن يتولى عنه {البلاغ المبين} أي الظاهر في نفسه المظهر لكل أحد أنه أوضح له غاية الإيضاع ولم يدع لبسا، ليس إليه خلق الهداية في القلوب.
ولما كان هذا موجعا لإشعاره بإعراضهم مع عدم الحيلة في ردهم، عرف بأن ذلك إنما هو إليه وأنه القادر عليه فقال جوابا لمن كأنه قال: فما الحيلة في أمرهم- مكملا لقسمي الدين بالاستعانة بعد بيان قسمه الآخر وهو العبادة: {الله} أي المحيط بجميع صفات الكمال {لا إله إلا هو} فهو القادر على الإقبال بهم ولا يقدر على ذلك غيره، فإليه اللجاء في كل دفع ونفع وهو المستعان في كل شأن فإياه فليرج في هدايتهم المهتدون {وعلى الله} أي الذي له الأمر كله لا على غيره.
ولما كان مطلق الإيمان هو التصديق بالله باعتقاد أنه القادر على كل شيء فلا أمر لأحد معه ولا كفوء له فكيف بالرسوخ فيه، نبه على هذا المقتضي للربط بالفاء والتأكيد بلام الأمر في قوله: {فليتوكل المؤمنون} أي يوجد التوكيل إيجادا هو في غاية الظهور والثبات العريقون في هذا الوصف في رد المتولي منهم إن حصل منهم تول وكذا في كل مفقود فالعفة ليست مختصة بالموجود فكما أن قانون العدل في الموجود الطاعة فقانون العدل في المفقود التوكل وكذا فعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم، فكان لهم الحظ الأوفر في كل توكل لاسيما حين ارتدت العرب بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم وكان أحقهم بهذا الوصف الصديق رضي الله تعالى عنه كما يعرف ذلك من ينظر الكتب المصنفة في السير وأخبار الردة لاسيما كتابي المسمى في أخبار الردة. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{ما أصاب مِنْ مُصِيبةٍ إِلّا بِإِذْنِ الله}
قوله تعالى: {إِلاّ بِإِذْنِ الله} أي بأمر الله قاله الحسن، وقيل: بتقدير الله وقضائه، وقيل: بإرادة الله تعالى ومشيئته، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: بعلمه وقضائه وقوله تعالى: {يهْدِ قلْبهُ} أي عند المصيبة أو عند الموت أو المرض أو الفقر أو القحط، ونحو ذلك فيعلم أنها من الله تعالى فيسلم لقضاء الله تعالى ويسترجع، فذلك قوله: {يهْدِ قلْبهُ} أي للتسليم لأمر الله، ونظيره قوله: {الذين إِذا أصابتهم مُّصِيبةٌ} إلى قوله: {أولئك هُمُ المهتدون} [البقرة: 156، 157]، قال أهل المعاني: يهد قلبه للشكر عند الرخاء والصبر عند البلاء، وهو معنى قول ابن عباس رضي الله عنهما يهد قلبه إلى ما يحب ويرضى وقرئ {نهدِ قلْبهُ} بالنون وعن عكرمة {يُهْد قلْبهُ} بفتح الدال وضم الياء، وقرئ {يهدأ} قال الزجاج: هدأ قلبه يهدأ إذا سكن، والقلب بالرفع والنصب ووجه النصب أن يكون مثل {من سفِه نفْسهُ} [البقرة: 130] {والله بِكُلِّ شيْءٍ علِيمٌ} يحتمل أن يكون إشارة إلى اطمئنان القلب عند المصيبة، وقيل: عليم بتصديق من صدق رسوله فمن صدقه فقد هدى قلبه: {وأطِيعُواْ الله وأطِيعُواْ الرسول} فيما جاء به من عند الله يعني هونوا المصائب والنوازل واتبعوا الأوامر الصادرة من الله تعالى، ومن الرسول فيما دعاكم إليه.
وقوله: {فإِن تولّيْتُمْ} أي عن إجابة الرسول فيما دعاكم إليه {فإِنّما على رسُولِنا البلاغ المبين} الظاهر والبيان البائن، وقوله: {الله لا إله إِلاّ هُو} يحتمل أن يكون هذا من جملة ما تقدم من الأوصاف الحميدة لحضرة الله تعالى من قوله: {لهُ الملك ولهُ الحمد وهُو على كُلِّ شيْءٍ قدِيرٌ} [التغابن: 1] فإن من كان موصوفا بهذه الصفات ونحوها: فهو الذي {لا إله إِلاّ هُو} أي لا معبود إلا هو ولا مقصود إلا هو عليه التوكل في كل باب، وإليه المرجع والمآب، وقوله: {وعلى الله فلْيتوكّلِ المؤمنون} بيان أن المؤمن لا يعتمد إلا عليه، ولا يتقوى إلا به لما أنه يعتقد أن القادر بالحقيقة ليس إلا هو، وقال في (الكشاف): هذا بعث لرسول الله صلى الله عليه وسلم على التوكل عليه والتقوى به في أمره حتى ينصره على من كذبه وتولى عنه، فإن قيل: كيف يتعلق {ما أصاب مِن مُّصِيبةٍ إِلاّ بِإِذْنِ الله} بما قبله ويتصل به؟ نقول: يتعلق بقوله تعالى: {فآمنوا بالله ورسوله} [التغابن: 8] لما أن من يؤمن بالله فيصدقه يعلم ألا تصيبه مصيبة إلا بإذن الله. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {مآ أصاب مِن مُّصِيبةٍ إِلاّ بِإِذْنِ الله} أي بإرادته وقضائه.
وقال الفرّاء: يريد إلا بأمر الله.
وقيل: إلا بعلم الله.
وقيل: سبب نزولها أن الكفار قالوا: لو كان ما عليه المسلمون حقا لصانهم الله عن المصائب في الدنيا؛ فبيّن الله تعالى أن ما أصاب من مصيبة في نفس أو مال أو قول أو فعل، يقتضي همّا أو يوجب عقابا عاجلا أو آجلا فبعلم الله وقضائه.
قوله تعالى: {ومن يُؤْمِن بالله} أي يصدّق ويعلم أنه لا يصيبه مصيبة إلا بإذن الله.
{يهْدِ قلْبهُ} للصبر والرضا.
وقيل: يُثبّته على الإيمان.
وقال أبو عثمان الجِيزِي: من صح إيمانه يهد الله قلبه لاتباع السُّنة.
وقيل: {ومن يُؤْمِن بالله يهْدِ قلْبهُ} عند المصيبة فيقول: {إِنّا لله وإِنّآ إِليْهِ راجِعون} [البقرة: 156] قاله ابن جبير.
وقال ابن عباس: هو أن يجعل الله في قلبه اليقين ليعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه.
وقال الكلْبيّ: هو إذا ابْتُلِي صبر، وإذا أُنعِم عليه شكر، وإذا ظُلم غفر.
وقيل: يهْدِ قلبه إلى نيل الثواب في الجنة.
وقراءة العامة {يهْدِ} بفتح الياء وكسر الدال؛ لذكر اسم الله أوّلا.
وقرأ السُّلمِيّ وقتادة {يُهْد قلْبُه} بضم الياء وفتح الدال على الفعل المجهول ورفع الباء؛ لأنه اسم فعل لم يسمّ فاعله.
وقرأ طلحة بن مُصرِّف والأعرج {نهْدِ} بنونٍ على التعظيم {قلْبه} بالنصب.
وقرأ عكرمة {يهْدأ قلبُه} بهمزة ساكنة ورفع الباء، أي يسكن ويطمئن.
وقرأ مثله مالك بن دِينار، إلا أنه ليّن الهمزة.
{والله بِكُلِّ شيْءٍ علِيمٌ} لا يخفى عليه تسليم من انقاد وسلّم لأمره، ولا كراهة من كرهه.
{وأطِيعُوا الله وأطِيعُوا الرّسُول فإِنْ تولّيْتُمْ فإِنّما على رسُولِنا الْبلاغُ الْمُبِينُ (12)}
أي هوِّنوا على أنفسكم المصائب، واشتغلوا بطاعة الله، واعملوا بكتابه، وأطيعوا الرسول في العمل بُسنّته؛ فإن توليّتم عن الطاعة فليس على الرسول إلا التبليغ.
{الله لا إله إِلاّ هُو} أي لا معبود سواه، ولا خالق غيره؛ فعليه توكّلُوا. اهـ.

.قال الألوسي:

{ما أصاب مِن مُّصِيبةٍ} أي ما أصاب أحدا مصيبة على أن المفعول محذوف، و{مِنْ} زائدة، و{مُّصِيبةٍ} فاعل، وعدم إلحاق التاء في مثل ذلك فصيح لكن الإلحاق أكثر كقوله تعالى: {مّا تسْبِقُ مِنْ أُمّةٍ أجلها} [الحجر: 5] {وما تأْتِيهِم مّنْ ءايةٍ} [الأنعام: 4] والمراد بالمصيبة الرزية وما يسوء العبد في نفس أو مال أو ولد أو قول أو فعل أي ما أصاب أحدا من رزايا الدنيا أي رزية كانت {إِلاّ بِإِذْنِ الله} أي بإرادته سبحانه وتمكينه عز وجل كأن الرزية بذاتها متوجهة إلى العبد متوقفة على إرادته تعالى وتمكينه جل وعلا، وجوز أن يراد بالمصيبة الحادثة من شر أو خير، وقد نصوا على أنها تستعمل فيما يصيب العبد من الخير وفيما يصيبه من الشر لكن قيل: إنها في الأول: من الصوب أي المطر، وفي الثاني: من إصابة السهم، والأول هو الظاهر، وإن كان الحكم بالتوقف على الإذن عاما.
{ومن يُؤْمِن بالله يهْدِ قلْبهُ} عند إصابتها للصبر والاسترجاع على ما قيل، وعن علقمة للعلم بأنها من عند الله تعالى فيسلم لأمر الله تعالى ويرضى بها، وعن ابن مسعود قريب منه، وقال ابن عباس: {يهْدِ قلْبهُ} لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وقيل: {يهْدِ قلْبهُ} أي يلطف به ويشرحه لازدياد الخير والطاعة.
وقرأ ابن جبير، وطلحة، وابن هرمز والأزرق عن حمزة {نهد} بنون العظمة.
وقرأ السلمي، والضحاك وأبو جعفر {يهْدِ} بالياء مبنيا للمفعول {قلْبهُ} بالرفع على النيابة عن الفاعل، وقرئ كذلك لكن بنصب {قلْبهُ}، وخرج على أن نائب الفاعل ضمير {مِنْ} و{قلْبهُ} منصوب بنزع الخافض أي يهد في قلبه، أو يهد إلى قلبه على معنى أن الكافر ضال عن قلبه بعيد منه، والمؤمن واجد له مهتد إليه كقوله تعالى: {لِمن كان لهُ قلْبٌ} [ق: 37] فالكلام من الحذف والإيصال نحو {اهدنا الصراط المستقيم} [الفاتحة: 6]، وفيه جعل القلب بمنزلة المقصد فمن ضل فقد منع منه ومن وصل فقد هدي إليه، وجوز أن يكون نصبه على التمييز بناءا على أنه يجوز تعريفه.
وقرأ عكرمة، وعمرو بن دينار، ومالك بن دينار {يهدأ} بهمزة ساكنة {قلْبهُ} بالرفع أي يطمئن قلبه ويسكن الإيمان ولا يكون فيه قلق واضطراب.
وقرأ عمرو بن قايد {يهدا} بألف بدلا من الهمزة الساكنة.
وعكرمة ومالك بن دينار أيضا {يهْدِ} بحذف الألف بعد إبدالها من الهمزة، وإبدال الهمزة في مثل ذلك ليس بقياس على ما قال أبو حيان، وأجاز ذلك بعضهم قياسا، وبني عليه جواز حذف تلك الألف للجازم، وخرج عليه قول زهير بن أبي سلمى: جرى متى يظلم يعاقب بظلمه ** سريعا وأن لا يبد بالظلم يظلم
أصله يبدأ فأبدلت الهمزة ألفا ثم حذفت للجازم تشبيها بألف يخشى إذا دخل عليه الجازم، وقوله تعالى: {والله بِكُلّ شيْء} من الأشياء التي من جملتها القلوب وأحوالها {علِيمٌ} فيعلم إيمان المؤمن ويهدي قلبه عند إصابة المصيبة؛ فالجملة متعلقة بقوله تعالى: {ومن يُؤْمِن} الخ، وجوز أن تكون متعلقة بقوله سبحانه: {ما أصاب} إلخ على أنها تذييل له للتقرير والتأكيد، وذكر الطيبي أن في كلام الكشاف رمزا إلى أن في الآية حذفا أي فمن لم يؤمن لم يلطف به أو لم يهد قلبه، ومن يؤمن بالله يهد قلبه، وبنى عليه أن المصيبة تشمل الكفر والمعاصي أيضا لورودها عقيب جزاء المؤمن والكافر وإردافها بالأمر الآتي. وأي مصيبة أعظم منهما؟ وهو كما أشار إليه يدفع في نحر المعتزلة.
{وأطِيعُواْ الله وأطِيعُواْ الرسول} كرر الأمر للتأكيد والإيذان بالفرق بين الإطاعتين في الكيفية، وتوضيح مورد التولي في قوله تعالى: {فإِن تولّيْتُمْ} أي عن إطاعة الرسول، وقوله تعالى: {فإِنّما على رسُولِنا البلاغ المبين} تعليل للجواب المحذوف أقيم مقامه أي فلا بأس عليه إذ ما عليه إلا التبليغ المبين وقد فعل ذلك بما لا مزيد عليه، وإظهار الرسول مضافا إلى نون العظمة في مقام إضماره لتشريفه عليه الصلاة والسلام، والإشعار بمدار الحكم الذي هو كون وظيفته صلى الله عليه وسلم محض البلاغ ولزيادة تشنيع التولي عنه، والحصر في الكلام إضافي.
{الله لا إله إِلاّ هُو} الكلام فيها كالكلام في كلمة التوحيد، وقد مر وحلا {وعلى الله} أي عليه تعالى خاصة دون غيره لا استقلالا ولا اشتراكا {فلْيتوكّلِ المؤمنون} وإظهار الجلالة في موقع الإضمار للإشعار بعلة التوكل أو الأمر به فإن الألوهية مقتضية للتبتل إليه تعالى بالكلية، وقطع التعلق بالمرة عما سواه من البرية، وذكر بعض الأجلة أن تخصيص المؤمنين بالأمر بالتوكل لأن الإيمان بأن الكل منه تعالى يقتضي التوكل، ومن هنا قيل: ليس في الآيات لمن تأمل في الحث على التوكل أعظم من هذه الآية لإيمائها إلى أن من لا يتوكل على الله تعالى ليس بمؤمن، وهي على ما قال الطيبي: كالخاتمة والفذلكة لما تقدم، وكالمخلص إلى مشرع آخر. اهـ.